top of page

تفسير متلازمة قلب الرياضيين
(Athletic heart syndrome)‏ بحسب طب الأخلاط([1])

 

يتناول هذا المقال نظرةً مقارنة بين مفهوم “متلازمة القلب الرياضي” في الطب الحديث، التي تُعد حالة شائعة بين الرياضيين تتسم بتباطؤ النبض وتضخم عضلة القلب، وبين أصول علم النبض في طبّ الأخلاط القائم على القياس بالمزاج من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة. ويوضح المقال أن بطء النبض ليس دومًا علامة على الصحة، بل قد يكون دليلاً على برودة المزاج وخروج البدن عن الاعتدال، مع نقدٍ للأخذ الأعمى بالنظريات الطبية الغربية المتغيرة، وبيان أهمية عرضها على قواعد الطب القديم المستمدة من الوحي

رجل رياضي يمارس تمارين سحب في النادي الرياضي لإبراز عضلات الظهر – مقال نبض الرياضيين في طب الأخلاط

إن الله سبحانه وتعالى قد خلق القلب بهيئة معينة، فإذا حصل تضخم فيه تَغيَّرَ فعلُه وخرج عن طبيعته، حتى لو لم تظهر علامات المرض وتأخر ظهورها بسبب أن الذي حصل عنده تضخم كان رياضيًّا يمارس الرياضة كل يوم، ولا شك بأن خِلقة القلب على الهيئة المعلومة فيها حكمة، لذلك إذا تغيرت هيئته تغيرت أفعاله التي خلقه الله لأجلها.

فعند المعاصرين متلازمة القلب الرياضي هي حالة غير مرضية شائعة بين الرياضين، يتضخم فيها القلب، وتتباطأ فيها سرعة دقاته، تُعرف المتلازمة أيضاً ببطء القلب الرياضي (athletic bradycardia)‏ وبتضخم القلب المسبَّب بالتمارين (exercise-induced cardiomegaly)‏، وتشيع بين الرياضين الذين يتمرنون بانتظام لأكثر من ساعة في اليوم، وتحدث عادة في رياضات التحمل، ولكن قد تظهر أحيانًا في رافعي الأوزان الثقيلة.

 

 يعتبر نبض الرياضي بشكل عام حميد العواقب، إذ لا ينطوي على مخاطر صحية في العادة،

ولكنه قد تخفي في خلفيته مشكلة طبية خطيرة، وقد يخطئ الأطباء فيها معتقدين أنها حالة أخرى.

تظهر ثلاث علامات في الرياضين المشخصين بمتلازمة القلب الرياضيتباطؤ ضربات القلب، وزيادة حجم القلب، وتضخم جدرانه العضلية، حيث ينخفض النبض عن المستوى الطبيعي حوالي 40 إلى 60 نبضة في الدقيقة، في حين يحدث التضخم بالخصوص في البطين الأيسر المسؤول عن ضخ الدم المؤكسج إلى الجسم، يُمثل ذلك ميزة للرياضين خصوصًا أثناء ممارستهم للرياضة عندما تزداد حاجة أجسامهم والأنسجة فيها للدم والأكسجين، وذلك بزيادة نتاجهم القلبي وقدرتهم على ضخ كمية أكبر من الدم مع كل نبضة، ولكن وفي المقابل فإن ظهور هذه العلامات الثلاثة في شخص عادي قد يدل على وجود مشكلة في القلب. انتهى كلام المعاصرين من الأطباء.

أقول قد شاع بين الناس أن نبض الرياضي يكون بطيئًا ما بين 40 إلى 60 نبضة في الدقيقة أو أكثر قليلًا وأن هذا النبض ليس شرطًا للحكم على الإنسان بأنه بارد المزاج فقد يكون هكذا نبضه وهو حار المزاج، وفي الحقيقة أن حار المزاج إن كان رياضيًّا لا تتضخم عضلة قلبه وذلك بسبب رقة الدم عنده ويكون نبضه سريعًا ما بين 80 و 90 وقد شهدت الكثير من هؤلاء، فضلا أن هذا مشاهد بين الناس لا ينكره إلا من يتبع المعاصرين اتباعًا أعمى من غير تدقيق وتحقيق.

 

أما بارد المزاج فيكون نبضه بطيئًا، وقد تتضخم عضلة القلب عنده إذا كان يمارس رياضة شديدة أكثر من ساعة في اليوم لكون الدم عنده غليظًا يضغط على البطين الأيسر من القلب عند ضخ الدم إلى كافة أنحاء الجسم، بسبب الجهد الذي يفعل خلال الرياضة مما يؤدي إلى تضخمه وزيادة في بطء دقات القلب.

ثم ليعلم أن أصول علم النبض وحي على بعض الأنبياء، والأطباء مجمعون على أن سرعة النبض لا تكون مدلولًا على برودة المزاج، كما أن بطء النبض لا يكون مدلولًا على حرارة المزاج، فقول المعاصرين لا يوافق أصول النبض في طب الأخلاط، لأن سرعة النبض مدلول حرارة المزاج، وبطء النبض مدلول برودة المزاج، لم يخالف أحد من الأطباء هذه القاعدة، لأن مؤدى اعتقاد أن سرعة النبض مدلول البرودة الحكم على المريض بأن علته باردة، فيعطى الأدوية الحارة ويكون حقيقة مزاجه حارًّا فينضر.

وقد استدلوا على هذا بأن النبض هو حركة الشرايين قبضًا وبسطًا لتعديل الحرارة الغريزية بدخول الهواء النقي وإخراج الفضلات بطريق الشهيق والزفير، فالجنس المأخوذ من زمان الحركة الانبساطية للنبض هو الذي يعرف منه السرعة والبطء والاعتدال، وسرعة النبض تكون لترويح أي لتهوية الحار الغريزي([2]) لأنه هو السبب الغائي له، والاحتياج يزيد وينقص بسبب حدة الحرارة في اشتعالها أو ضعفها أو اعتدالها، لأن الحرارة متى كانت زائدة لحرارة الجسم كانت الحاجة إلى الهواء أكثر للتبريد، فيتسارع النبض، ومتى كانت الحرارة ناقصة لبرودة الجسم كانت الحاجة إلى الهواء قليلة فيتباطأ النبض، ومتى كانت الحرارة معتدلة اعتدلت سرعة النبض.

فالنبض السريع مدلول الحرارة التي تدعو إلى استجلاب الهواء البارد، والنبض البطيء مدلول البرودة التي لا تدعو إلى استجلاب الهواء البارد، والنبض المعتدل مدلول اعتدال الحرارة والبرودة، وعلى هذا فنبض المزاج الدموي الحار الرطب والصفراوي الحار اليابس يكون سريعًا بسبب الحرارة، ونبض المزاج البلغمي البارد الرطب والسوداوي البارد اليابس يكون بطيئًا بسبب البرودة.

ومن أراد فلينظر كتب الطب التي تتكلم في الأصول الطبية بأن السرعة دليل الحرارة والبطءَ دليل البرودة، مثل كتاب الكامل في الصناعة لعلي الأهوازي([3]) ,وكتاب النزهة المبهجة لداود الأنطاكي, وكتاب الموجز في الطب لابن النفيس([4]) وغيرهم.

خاتمة

أقول لا ينبغي الاعتماد على النظريات الطبية الغربية من غير تدقيق وتحقيق بالاعتماد على الأصول الطبية التي نزلت بالوحي على الأنبياء الكرام، فقولهم لا ينضر الرياضي إذا تضخم قلبه كلام غير دقيق يخالف خلقة القلب الطبيعية، وبطء النبض دليل برودة المزاج الدالة على الخروج عن الاعتدال، ثم ما يلفت النظر أن كثيرا من النظريات الطبية عند المعاصرين تتغير باستمرار، ويأتي ما ينقضها أحيانًا ويخالفها.

 

مثال ذلك القرحة الهضمية كانوا يظنون أن سببها التوتر. والقلق وكثرة إفراز الحمض ويعالجون بخفض الحمض، ثم غيروا معتقدهم هذا واعتبروا السبب ما يسمى جرثومة الهيليكوباكتر بيلوري Helicobacter pylori يعالجونها بالمضادات.

 

التصلب اللويحي Multiple Sclerosis  كان يعتبر مرضًا عصبيًّا مجهول السبب، والآن يعتبرونه مرضًا مناعيًّا ذاتيًّا حيث يهاجم جهاز المناعة غلاف الأعصاب، السرطان كانوا يعتقدون أنه ورم موضعي ناتج عن أسباب ميكانيكية أو صدمات، والآن يعتبرونه مرض جيني خلوي ناتج عن طفرات في الدي آن آي تؤدي لنمو غير مضبوط للخلايا وقد تدخل فيه عوامل مناعية وبيئية وهورمونية.

 

السكري كان يفسر فقط بخلل في إفراز الأنسولين، والآن يعتبرونه مرضًا مركبًا سببه الأساسي مقاومة الأنسولين ويتداخل معه النظام الغذائي ودهون الكبد والنشاط البدني والمناعة.

 

ارتفاع الكولسترول وأمراض القلب كان يعتقد أن الكولسترول الغذائي هو السبب الأول لها، والآن اتضح لهم أن الكبد يصنع أغلب الكولسترول LDL المؤكسد مع أهمية الالتهاب المزمن ومقاومة الأنسولين ونمط الحياة.

 

الملح كانوا يعتقدون أنه يرفع ضغط الدم لكل الناس، والآن اتضح لهم أن هناك من عنده حساسية للملح ويرتفع ضغطه وهناك من لا يتأثر ضغطهم بالملح بل حتى قد ينخفض عندهم.

وهناك الكثير الكثير من الأبحاث والنظريات المتناقضة والمتغيرة عندهم، وهذا سيبقى يتغير عندهم عادة، لأنهم تركوا قواعد الطب القديم القائم على الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة التي نزلت بالوحي على سيدنا ءادم عليه السلام، أما نحن فنقيس كل نظرية معاصرة على قواعد الطب القديم فإن قبلتها أخذنا بها وإن خالفتها رفضناها.

([1]) في مصطلح الأطباء الخلط جسم رطب سيال يستحيل إليه الغذاء أولا وأخلاط البدن أربعة الدم وهو حار رطب والبلغم وهو بارد رطب والصفراء وهو حار يابس والسوداء وهو بارد يابس

([2]) في مصطلح الأطباء الحرارة الغريزية هي جوهر حار لذيذ هوائي لا حدة له ولا لذع ولا إحراق ولا تعفن ولا إفساد

([3]) هو أبو الحسن علي بن عباس الأهوازي من أشهر أطباء الدولة العباسية في طب الأخلاط خلال القرن الرابع الهجري، إنجازاته العلمية أعطته مقامه الأول بين أطباء عصره ومن سبقه ومن جاء بعده من أطباء الشرق والغرب.  

([4]) هو الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الحزم ابن النَّفيس القرشي الشافعي إمام الأطباء بمصر في القرن السابع الهجري، كان إمام الطب في زمانه مع الحذاقة والفهم التام في الطب.  

bottom of page