بیان فساد قول: "حلیب البقر سم قاتل"
انتشرت في الآونة الأخيرة مقولة باطلة تزعم أن حليب البقر "سُم قاتل"، وهي دعوى تُخالف النصوص الشرعية وقواعد الطب الإسلامي. تهدف هذه الصفحة إلى بيان الحقيقة من خلال الهدي النبوي وطب الأخلاط، مع توضيح متى يكون الحليب نافعًا أو ضارًا بحسب المزاج وحال البدن.
ستجد هنا:
-
الرد على الشبهات الحديثة
-
فوائد الحليب كما وردت في السنة
-
تأثير مكوناته (المائية، الجبنية، الزبدية)
-
ضوابط تناوله بحسب الأمزجة
-
تفنيد القول بضرر الكازين واللاكتوز على وجه التعميم
الغذاء في طب الأخلاط يُقوّم بحسب طبع الإنسان لا بالقياس على طبع غيره، وهذه الصفحة توضح ذلك بالأدلة الشرعية والطبّية.

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على رسول الله محمد، وبعد:
فقد تجرأ بعض المنتسبین للطب المعاصر من إطلاق القول بأن حلیب البقر سم قاتل والعیاذ بالله تعالى، وتجد ملایین الناس یسمعون لھم، فلا بد من بیان بطلان كلامھم شرعًا وطبًّا.
أقول: إن الأمة قد ابتلیت بكثیر من ھؤلاء المنتسبین للطب المعاصر، المدعین أنھم باحثون مطلعون، وھم في الحقیقة جاھلون، یخالفون الشریعة، ویتبعون كل ما یقوله الغربیون اتباعًا أعمى بلا ضوابط، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه معھم.
لو تعلموا الشریعة وطب الأخلاط (1) لما وصل بھم الحال إلى ھذا الانحطاط في الفھم السقیم.
یقول ھؤلاء الجھلة:
"حلیب البقر سم قاتل لأن فیه بروتین اسمھ كازین (2) یزید الالتھابات في الجسم، ولو كان ھناك خلایا سرطانیة یغذیھا، ویؤخر الھضم، وھناك أیضا اللاكتوز (3) الذي منھ حساسیة اللاكتوز، فمعظم الناس بعد السنتین یوقفوا الحلیب لأن الأنزیم یقل لا یعمل، فبعد السنتین لا یكون ھناك ھضم للاكتوز، لذلك تجد حلیبًا خاليًا من اللاكتوز"
انتھى كلام ھؤلاء الجھلة.
حلیب البقر لیس سما
یقول الله عز وجل عن الحلیب:
{لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}
أي: ھنیئًا لذیذًا سلیم العاقبة، یجري على السھولة في الحلق.
أقول: ھذا كلام مطلق.
حليب البقر ليس خاصًا بالأطفال فقط، بل يفيد الكثير من الناس، ولكن بضوابط نصّ عليها الأطباء القدماء.
وروى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مَكَانَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْرُ اللَّبَنِ"
وأخرج الحافظ ابن حبان في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر".
أقول: الحليب مبارك لأن النبي حث على شربه، وقال: "وزدنا منه"، فكيف يكون سُمًّا؟!
كلام الله ورسوله كافٍ للتسليم، ولكن الحاجة دعت للرد الطبي على هؤلاء الجهلة حتى لا يُفتن بهم من يسمع لهم ويتبع طريقتهم.
وليَعرف المسلمون أن لنا طب الأخلاط لنقيس عليه كل المسائل الطبية، الطب الذي أقرّه علماء الإسلام وقالوا عنه: فرض كفاية.
أقول: حتى لو لم يأكل البقر من حشائش الأرض، بل أُطعم مثل:
الشعير (4)، نخالة القمح (5)، بقايا حبوب القطن (6)، الذرة (7)، القمح (8)، بقايا شمندر السكر (9)، البرسيم (10)، الفول اليابس (11)، وسمك السلور (12) والتبن (13) أو أُضيفَ مجموعة من الفيتامينات لتقوية العلف، هذا كلّه لا سُمِّيَّة فيه، ولكن أجود البقر ما طاب ماؤه وهواؤه، وكان غذاؤه من حشيشٍ جيدٍ محمود، عند ذلك يكون الحليب المتولد منه جيدًا ويغذّي غذاءً حسنًا.
ولكن إذا أكل البقر نباتًا مسهلاً مثل السقمونيا (14) والخَرْبق (15) وما أشبهه، فيكون حليبها حينئذٍ مسهِّلاً للطبيعة، مفسدًا للمعدة والأمعاء.
وربما أكل النبات القابض مثل ثمرة البلوط (16)، فيكون حينئذ الحليب حابسًا للطبيعة.
ويُحذّر من لبن الحيوان السقيم، ولبن الربيع أكثر مائيّة من لبن الصيف، ولبن المرتعي من الحيوانات النبات الطري أشد تليينًا من لبن المرتعي النبات اليابس.
والحليب الجيد ما كان مستوي الثخن، وإذا قُطّر على الظفر كان مجتمعًا ولم يتبدد.
مزاج حليب البقر
-
الحليب عند حلبه حار رطب.
-
حرارته في وسط الدرجة الأولى، ورطوبته في أول الدرجة الثانية .
-
أما بعد ذلك، فهو بارد رطب.
-
والحليب الحامض المنزوع الدسم فهو بارد يابس.
-
شروط الحليب الطبيعي
والذي یذكر من الحلیب الصحیح الطبیعي أنه الصافي النقيّ من الكدورة، الذي لا یخالطه حموضة ولا حرافة ولا ملوحة، بل یكون فیھ حلاوة یسیرة، وتكون رائحته غیر مذمومة.. والحلیب یمكن تناسبه لسائر الأمزجة (18)والفصول لقبول التعدیل، وألطف ما استعمل حال حلبه لما فیه من الحرارة اللطیفة التي تفارقه إذا برد فإذا طال مكثه فلا یستعمل حتى یسخن. نعم، كلما بعد زمان حلبه فھو رديء خاصة إذا نالته حرارة الھواء، فتحلله عن كیفیته التي أخذھا لاستحالة أكثره إلى الفساد في الداخل والخارج.
كلام أطباء الأخلاط عن تركيب الحليب
في طب الأخلاط یقول الأطباء الحلیب مركب من مائیة وجبنیة وزبدیة ولكل واحد منھا مزاج. فالمادة المائیة وإن كانت باردة رطبة بالطبع ففیھا حرارة مكتسبة من البورقیة (19) من الجزء الصفراوي في الدم (20) ملطفة (21) غسالة (22) جلاءة (23) لا لذع فیھا، والمادة الجبنیة باردة یابسة، والزبدیة معتدلة مائلة إلى الحرارة والرطوبة.
أنواع الحليب وتأثيرها حسب الطب القديم
فأما المائية، فإنها تسخن الأخلاط وتلطفها وتطلق الطبيعة،
والجبنية تعقل البطن، مولدة للخلط الغليظ والسدد والحصاة،
والزبدية منزلتها منزلة الزيت الحديث.
فإذا تميزت هذه الجواهر، وفارق بعضها بعضًا، صار لكل واحد منها فعل خاص، من غذاء ودواء.
الكازين عند الأطباء القدماء هو الدوغ، وهو المخيض الذي حمض بعد ذهاب دهنيته، وضرره أكثر من نفعه.
ولكن ما دام مخالطًا للحليب ولم يَحْمُض، فلا يكون الحليب ضارًا لمن يناسب مزاجه.
المائية وحدها: منافع وأضرار
وأما المائية فتنفع لوحدها، ما لم يُخالطها الملح ولم تَمكث أكثر من يوم،
فهي نافعة من الحكة والجرب الحارين، وسدد الطحال والكبد،
وتُدر البول، وتولد البول، وتُولد ريحًا كثيرًا وسوء هضم.
ويُصلحها اليانسون (24).
وينبغي أن تعلم أن ما كان من الحليب المائية عليه أغلب، فهو أقل رداءة من غيره وأسرع استمراء، ومن أدمن استعماله رَطُب مزاجه.
وما كانت الجبنية عليه أغلب، فهو رديء، وهو لذلك يُولد سددًا في الكبد والطحال، وحجارة في الكلى والمثانة، ولا ينبغي أن يُكثر منه.
متى يكون الحليب ضارًّا؟
من كانت معدته باردة، قد يتجبن فيها الحليب، فلا ينبغي له أن يقربه، فإنه ضار له جدًّا.
آداب شرب الحليب وأثره في البدن
ينبغي لآكل الحليب إذا كان مرطوبًا أن يأكله مع:
الثوم (25)، والكراث (26)، والنعناع (27)، والخردل (28)، والشونيز (29)، والزيت (30)، والعسل (31).
فوائد الحليب كما نص عليها الأطباء القدماء
-
الحليب يقوي البدن،
-
وينقي القروح الباطنة بالعسل،
-
ويزيد في الدماغ والمَني،
-
ويهيّج الباه (32) لأنه يحصل منه نفخ في العروق،
-
وهو قريب إلى الهضم،
-
ينفع الأمزجة الحارة اليابسة إن لم يكن في معدتهم صفرا،
-
لأنه لطيف وشديد الاستعداد لقبول أثر الغير،فيتحول إلى الصفراوية.
-
يحفظ رطوبات البدن الأصلية، فتطول لذلك مدة عمر الإنسان بإذن الله تعالى.
-
يذهب الإعياء،
-
ينفع من مرض من كثرة الجماع،
-
ينفع من اليرقان،
-
هو ترياق للسموم،
-
يصفّي الصوت،
-
يكثر حليب المرأة،
-
يسكن العطش،
-
يدرّ البول،
-
هو علاج النسيان والغم والوسواس.
ضرره على بعض الطبائع
-
يضر البلغميين، لأن حرارتهم تقصر عن هضمه وإحالته إلى الدموية،
-
فإذا كان كذلك، يكثر منه البلغم،
-
وتكثر فيهم الرطوبات الفجة.
-
وإن أراد المشايخ شربه لترطيبه لهم،فليعاونوا على هضمه بالعسل، فينفعهم نفعًا عظيمًا.
-
وهو ضار لأصحاب الخفقان الرطب كيفما كان، من دم أو بلغم.
خلاصته في التغذية
-
الحليب يُغذي غذاء كافيًا،
-
ويولد لحمًا لينًا رطبًا.
ضوابط شرب الحليب ومتى يكون ضارًا للمحرورين وأصحاب المعدة الحارة
أما الصبيان فيشربونه إلى وقت نبات الشعر في العانة، ثم يدعونه، وخاصة المحرورين منهم، فإنه يتجبن في معدتهم، ويورث قلقًا وكربًا في كل معدة حارة المزاج،
وينفخ الأحشاء، ويحدث ثقلًا في الرأس، ويضر أصحاب السدد، وظلمة البصر، وزرقة العين، والعَشَا، ومن يتجشأ حامضًا.
وأما من لا يحمض في معدته، فليسقه،
ولا يضر بالبصر إلا إذا لم يتم انهضامه،لأنه متى أصاب المعدة ضرر، شاركها الرأس.
ومتى تناوله، فليدع جميع الأطعمة والأشربة، إلى أن ينحدر إلى أسفل،
لأنه إن خالطه شيء وكان قليلاً فسد، وأفسد ذلك الحليب معه.
وينبغي أن يؤخذ بالغداة، ولا يُؤكل عليه إلى انهضامه،
ويُحذر التعب عليه، لأنه يمخضه فيحمضه،
لأن التعب قد يمخض الأطعمة القوية، فضلًا عن الحليب.
والسكون بعده أصلح، بعد أن يكون مستيقظًا،
فإن ذلك أحرى أن ينحدر الحليب في أول مرة يأخذه، وهو إلى ذلك محتاج.
فإذا انحدر ما أخذه أولًا، أخذ منه شيئًا آخر،
فإذا انحدر، أخذ أيضًا منه.
خاتمة
حليب البقر مفيد لكل الأعمار، ولكن بشرط تعديله بحيث يناسب كل مزاج،
مثلًا:
-
الدموي يضيف له الورد،
-
البلغمي يضيف له العسل،
-
الصفراوي يضيف له ماء الورد،
-
السوداوي يضيف له سكر القصب.
وما انتشر بين بعض الأطباء المعاصرين أنه ضار وسُمِّي، فهو باطل،
ولكن قد يضر منه:
-
من كان بلغمي المزاج ويشربه كل يوم، لأنه يزيد له البلغم،
-
أو من كانت معدته صفراوية، لأنه يتحول إلى الصفراء، ولا يُهضم في معدتهم بشكل مفيد.
وبسبب وجود هؤلاء الناس الذين يتضررون من الحليب، ظن بعض الأطباء المعاصرين أنه ضار مطلقًا،
وأن حساسية اللاكتوز تكون عند غالب الناس، وهذا ليس صحيحًا،
بل من كان بلغمي المزاج يكون عنده تحسس من شرب الحليب،
وهؤلاء صنف من الناس، وليسوا أغلب الناس.
حتى هؤلاء، إن أرادوا شربه من دون أن يتضرروا، فليضيفوا له القليل من العسل،
لأن العسل حار يابس،
والحليب بارد رطب،
فلا يتولد منه عند ذلك بلغم،
وينهضم في معدتهم، ويغتذون منه.
الرد على دعوى الكازين
وأما احتجاجهم بأنه يوجد فيه مادة الكازين وهي ضارة، فباطل أيضًا،
لأن هذه المادة ما دامت لم تُحمِّض الحليب فلا ضرر منها،
وأما إن حُمِّض الحليب، فيضر غالبًا، وهذا لا لبس فيه.
تحذير
فالحذر الحذر من الاستماع إلى هؤلاء الجهلة،
الذين يتبعون أساتذتهم في أوروبا وأمريكا بشكل أعمى،
يُرددون ما تعلموه من غير تدقيق وتحقيق،
معتمدون على تجارب جرت على بعض الناس الذين يغلب على مزاجهم البرودة والرطوبة،
معتبرين أن هذه التجربة تفيد العموم،
وهي في الحقيقة خاصة بالبلغميين.
ولكن بسبب جهل هؤلاء بطب الأخلاط زلّوا فهلكوا وأهلكوا.
نسأل الله السلامة في ديننا ودنيانا.
(1) طب الأخلاط ھو الطب القدیم الذي أصوله وحي على سیدنا ءادم علیه السلام والقائم على الكیفیات الأربعة الحرارة والبرودة والرطوبة والیبوسة وأن الإنسان خلق على الأخلاط الأربعة أي سوائل الجسم الدم والبلغم والصفراء والسوداء.
(2) الكازین في تعریف الطب المعاصر الجبنین أو الدوغ وھو البروتین الرئیسي الذي یستخرج من اللبن.
(3) اللاكتوز في تعریف الطب المعاصر سكر الحلیب أو سكر اللبن.
(4) بارد یابس
(5) حارة یابسة
(6) حار یابس أو رطب
(7) باردة یابسة
(8) حار رطب
(9) حار رطب
(10) حار رطب
(11) بارد یابس
(12) بارد رطب
(13) بارد یابس
(14) حارة یابسة
(15) حار یابس
(16) بارد یابس
(17) الدرج أربعة الأولى والثانیة والثالثة والرابعة وكلما بعد عن الاعتدال یكون أشد قوة.
(18) أي المزاج الدموي الحار الرطب والبلغمي البارد الرطب والصفراوي الحار الیابس والسوداوي البارد الیابس.
(19) البورقي ما كان من المالح شدید الجلاء والغسل.
(20) الصفراء إحدى سوائل الجسم الأربعة وھي حارة یابسة.
(21) الملطف ما یجعل المادة أرق.
(22) الغسال ما ینحي المادة برطوبته وسیلانه لا بجلائه.
(23) الجلاء ما یجرد الرطوبة اللزجة عن مسام العضو.
(24) حار یابس
(25) حار یابس
(26) حار یابس
(27) حار یابس
(28) حار یابس
(29) حار یابس
(30) المعصور من الزیتون الأسود المر حار یابس
(31) حار یابس
(32) القدرة على الجماع