أهمية الأراجيح في طب الأخلاط
طبّ الأخلاط ليس مجرد نظرية قديمة كما يصوّره البعض، بل هو علم راسخ يقوم على أصول دقيقة ووحيٍ قديم، امتدّ عبر الأنبياء والأطباء حتى صار مرجعًا طبيًا متكاملًا. ومع الأسف، غاب عن كثير من الناس حقيقته بسبب التشويه المتعمد من الغرب منذ أكثر من قرنين، وبسبب من تصدّى للطب من غير رجوع إلى أصوله وقواعده، مما جعل بعض الناس يفقدون الثقة به.
هذا المقال يسلّط الضوء على جانب مهم من قوة هذا الطب، وهو الأثر الطبي العجيب لاستعمال الأراجيح (المراجيح أو الأسرّة المعلّقة) في معالجة بعض الأمراض وتقوية البدن. وسنرى كيف اعتبر الأطباء القدامى الأراجيح رياضةً لطيفةً نافعة، ووسيلةً للتخلص من بقايا الأمراض والمواد الضارة، بل وعلاجًا يكمّل دور الغذاء والدواء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد:
لو علم الناس حقيقة طب الأخلاط لتعلقوا به وجعلوه مرجعا لهم يثقون بتطبيقه على أنفسهم وأهليهم، ولكن مع الأسف مع كونه من فروض الكفاية، القلة يعرفون قوته والكثرة لا يعرفون إما محاربون أو لا يثقون به، وما ذلك إلا بسبب كثرة الذين يداوون الناس بالأعشاب ونحوها من غير الرجوع إلى قواعد هذا الطب، فيضرون أكثر مما ينفعون،
ولكثرة التشويه من الغربيين منذ أكثر من مائتي سنة تكذيبا وتحطيما لهذا الطب، حتى وصل بهم الحال إلى أن قالوا الأخلاط الأربعة نظرية أبقراط وهي باطلة وغير صحيحة، بل الصحيح هو الطب المعاصر الذي ابتدعوه ضاربين بعرض الحائط ما نزل بالوحي، معتقدين أن تشخيص الأمراض يمشي على غير قاعدة الطبائع الأربعة الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وهناك من كتب مؤلفا منذ مائة عام في محاربة طب الأخلاط أسماه: " سقوط طب الأخلاط وارتفاع الطب الحديث ".
وللإنصاف أقول لم يترك طب الأخلاط بسبب ضعفه بل لأن الاستعمار وضع قوانين تحظر العمل به، بعد استيلائهم على المعاهد الطبية في كل البلاد التي استعمروها، فمن لم يلتزم قتلوه أو سجنوه أو غرموه، فقط حتى لا يقال الطب مراجعه الكبيرة إسلامية، وللسيطرة الاقتصادية والاجتماعية على البلاد والعباد، هذا هو التاريخ المؤلم الذي أدى إلى الإضرار بكل البشرية مع الأسف الشديد، ومن عرف الطب وأهله عرف الصواب، وقد كان ممكنا أن يطور الطب ويحدث بناء على القواعد القديمة وليس بترك القواعد القديمة، لذلك من الحكمة الجمع بين القديم والحديث الآن بإعادة المفيد من الحديث إلى الأصول القديمة، أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
وأنا أعرض لكم مسألة جديدة تظهر قوة هذا الطب الذي يبحث حتى في أدق تفاصيل حياة الإنسان، وما يفيده وما يضره.
ففي طب الأخلاط استعمال الأراجيح لها أهمية طبية عجيبة، وهذا يبرر ما كنا نراه في كثير من بيوتنا تلك الأراجيح على الشرفات في المدن والقرى، فهي من إرشادات الأطباء لأنها من الفوائد الجليلة في كثير من الأمراض التي يعجز المريض عن الحركة فيها، فإن التمرجح بالأراجيح بالرفق وخصوصا في الأسرة والمهود قائما أو قاعدا أو مضطجعا، ([1])موافق لمن أضعفته وأعجزته الأمراض عن الحركة، ولمن به مرض في الحجاب([2])، وينفع من بقايا أمراض الرأس، لأنه يهيّء المواد([3]) غير الطبيعية إلى الإنقلاع والانزلاق، وإذا أرفق به نوم نفع نفعا بليغا، وهو يحلل مواد المرض أكثر مما يسخن البدن لأنه يحلل بالرفق ولا يوجب شدة الحركة حتى يسخن أسخانا شديدا، ولذلك لا يتواتر النفس ولا تثور الأخلاط([4]) فيه، وينفع نفعا عظيما للناقهين، ([5]) لانه يحلل بقايا أمراضهم لإخراجه ما لا يصل إليه الدواء، وهو رياضة للبدن، لمن كان يحب الدعة والراحة، فإن كل طعام نأكله يبقى منه في الجسم أثر ولطخة لا يزيلها إلى الرياضة، فإذا كان الشخص لا يفعل الرياضة، فالأراجيح تحلل له ما تبقى من أثر الطعام فلا يتراكم على مدى الزمان فيؤذي، كأن يحصل منه تجلطات وارتفاع للكولسترول الضار والدهون الثلاثية، وتستعمل الأراجيح كمنق خاص لإخراج مادة المرض كما يفعل في آخر الورم ([6]) الذي يقال له ليثرغس ([7]) وفي السرسام ([8]) إذا أمعن المرض في الانحطاط ([9]) وخرج عن عمود العلة إلى انتهاء المرض فيلزم عندها المريض الأراجيح ولكن ليس في الأهوية والرياح الرديئة والحارة والسموم ([10])والشمس لئلا ينتكس.
وفي سائر الأمراض التي تكون في آخرها ويعجز المريض الناقه عن الرياضة فيها، تستعمل الأراجيح ويدرج منها بعد ذلك إلى فعل الرياضة لما تعود القوى.
خاتمة
أقول كم هو جميل هذا الطب وواضح ومفهوم ومتميز، كيف لا وأصوله وحي على سيدنا آدم وأنبياء عملوا به، فهو داخل في تفاصيل حياة الإنسان الهواء المحيط به، وطعامه وشرابه، وحركته وسكونه البدنيين، وحركته وسكونه النفسانيين، ونومه ويقظته، وما يستفرغ من البدن وما يحبس، جميل هذا الطب لأن مبادأه قائمة على ما خلقنا عليه من الأخلاط الأربعة، بمعرفة تامة لأسباب الأمراض وعلاماتها وعلاجها.
ومن الكذب عليه أن يقال إنه طب شعبي لا يعرف الأمراض الصعبة والخطيرة، بل حتى يصير الشخص طبيبا بطب الأخلاط يحتاج إلى دراسة الأصول والفروع وهذا يحتاج إلى سنوات طويلة حتى يبرع وقد يصل بعضهم من تبحره إلى خمسة عشر سنة من الدراسة، لغزارة المعلومات الطبية في كل علة من العلل التي دونها الأطباء.
([1]) في مصطلح الأطباء التمرجح: هو التحرك في الأرجوحة وهي حبل ونحوه يعلق ويقعد عليه والأراجيح جمع أرجوحة وهي ما يركبه الصبيان ويحركونه للعب يقال ترجحت الأرجوحة بالغلام أي مالت به
([2])في مصطلح الأطباء الحجاب الحاجز الذي يحجز بين ءالات الغذاء وآلات التنفس
([3])في مصطلح الأطباء المواد غير الطبيعية أي الأخلاط غير الطبيعية دموية أو بلغمية أو صفراوية أو سوداوية
([4])في مصطلح الأطباء الخلط: جسم رطب سيال يستحيل إليه الغذاء أولا، وأخلاط البدن أربعة، الدم والبلغم والصفراء والسوداء، فمن الخلط خلط محمود وهو الذي من شأنه أن يصير جزأ من جوهر المغتذي وحده أو مع غيره، وبالجملة يكون صالحا لبدل ما يتحلل منه، ومنه خلط رديء وهو الذي ليس من شأنه ذلك
([5]) في مصطلح الأطباء ناقه: من صح من مرضه وفيه ضعف، من باب فرح ومنع، وهو الذي خرج وتماثل من مرضه ولم تكتمل بعد قوته، الجمع نُقَّه
([6]) في مصطلح الأطباء الورم: هو مادة تداخل جرم العضو وتزيد حجمه زيادة غير طبيعية وقيل الورم زيادة غير طبيعية في العضو من مادة فضلية تمدده بحيث تضر بالفعل وأقسامه ستة الأخلاط الأربعة والمائية والريح
([7]) في مصطلح الأطباء ليثُرغُس: لفظ يوناني معناه النسيان، وهو السرسام البارد البلغمي، وإنما سمي به لأن النسيان لازم لهذا المرض فسمي به تسمية الملزوم باسم العرض اللازم، وهو ورم عن بلغم عفن في مجاري الروح الدماغي، وقلما يعرض في حجبه أو جرمه، وقيل : هو أن يعرض النسيان من ورم بلغمي يحدث في مقدم الدماغ، فلا يحس الإنسان بما في مؤخر الدماغ الذي هو خزانة الحواس، ولذلك يعرض النسيان
([8]) في مصطلح الأطباء سَرسام: بالفتح، وقيل بالكسر، وهذا اللفظ مركب من لفظ فارسي ويوناني لأن سر بالفارسية هو الرأس، والسام في اليونانية هو الورم، هو ورم في أحد حجابي الدماغ ويقال في اليونانية فرانيطس، أو فيهما، أو في الدماغ نفسه، أو فيهما جميعا، والسرسام منه حقيقي، وغير حقيقي، أما الحقيقي فهو الذي يكون مع الورم، وغير الحقيقي هو اختلاط العقل الذي يكون في الحميات الحادة والأوجاع الصعبة، بسبب الأبخرة والأدخنة المتصعدة إلى الدماغ، ويطابق في الطب الحديث الهذيان في الحميات، أما السرسام الحقيقي فيقابل التهاب السحايا أو الدماغ أو كليهما تعليق على الهامش : أكثر كتب الطب القديم ترسمها بالقاف قرانيطس
([9]) في مصطلح الأطباء أكثر الأمراض لها أربع مراحل: الابتداء والتزيد والانتهاء والانحطاط، أي يبتدء المرض ثم يزيد تدريجيا إلى أن يصل إلى نهايته أي ذروته ثم تبدأ مرحلة الانحطاط أي زوال المرض تديجيا
([10]) في مصطلح الأطباء السموم: بضم الميم هي ريح حارة يابسة في الصحاري العربية
.png)
%20(1080%20x%201920%20px.png)