الحارث بن كلدة طبيب العرب
الحارث بن كلدة الثقفي، طبيب من الطائف، سافر في البلاد وتعلّم الطب بناحية فارس، حتى عُرف بطبيب العرب. زاره النبي ﷺ لما مرض سعد بن أبي وقاص، وقال: “ادعوا له الحارث بن كلدة فإنه رجل يتطبب”. عُرف بمعالجات كثيرة، وله كلام مستحسن في الطب، منها حواره مع كسرى أنو شروان عن طبائع البدن الأربعة وعلاج الأخلاط.

قال ابن أبي أصيبعة([2]) في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء ما نصه: الحارث بن كلدة الثقفي كان من الطائف، وسافر في البلاد وتعلم الطب بناحية فارس وتمرن هناك، وعرف الداء والدواء، قال وكان طبيب العرب، ويروى عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه،([3]) أنه مرض بمكة مرضاً فعاده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال ادعوا له الحارث بن كلدة فإنه رجل يتطبب،([4]) فلما عاده الحارث نظر إليه، وقال ليس عليه بأس اتخذوا له فريقة([5]) بشىء من تمر عجوة وحلبة يطبخان فتحسّاها فبرئ.
وكانت للحارث معالجات كثيرة، ومعرفة بما كانت العرب تعتاده وتحتاج إليه من المداواة، وله كلام مستحسن فيما يتعلق بالطب وغيره.
كلام الحارث مع كسرى
من ذلك، أنه لما وفد على كسرى أنو شروان ([6]) أذن له بالدخول عليه، فلما وقف بين يديه منتصباً قال له من أنت؟ قال أنا الحارث بن كلدة الثقفي، قال فما صناعتك؟ قال الطب، ( وبعد كلام بينهما ) قال فعلى كم جبل طبع ([7])هذا البدن؟ قال على أربع طبائع المرة السوداء، وهي باردة يابسة؛ والمرة الصفراء، وهي حارة يابسة، والدم، وهو حار رطب؛ والبلغم، وهو بارد رطب، ([8])........ قال فأجمل لي الحار والبارد في أحرف جامعة؟ قال كل حلو حار، وكل حامض بارد، وكل حريف ([9]) حار، وكل مز معتدل، ([10])وفي المر حار وبارد، ([11]) قال ما أفضل ما عولج به المرة الصفراء؟ قال كل بارد لين([12])؛ قال فالمرة السوداء؟ قال كل حار لين؛ قال والبلغم؟ قال كل حار يابس، قال والدم؟ قال إخراجه إذا زاد([13])، وتطفئته إذا سخن بالأشياء الباردة اليابسة،([14]) قال فالرياح؟ قال بالحقن اللينة ([15])والأدهان الحارة اللينة، قال أفتأمر بالحقنة؟ قال نعم.
خاتمة
إن طب الأخلاط فرض كفاية، أصوله وحي على سيدنا آدم عليه السلام، وقد علم بعض أصوله بعض أولاده، وأنبياء عملوا به كسيدنا إدريس وسيدنا سليمان، وقد ذكرت قصة الحارث بن كلدة طبيب العرب مع كسرى لأن فيها إجمال الطب بعبارات مختصرة، وللدلالة على أن معتقد النبي في الطب على ما كان عليه الأنبياء من قبله، وحتى يتبين لمن يحارب هذا الطب ويزدريه من بعض الذين درسوا الطب المعاصر أنهم مخطئون حادوا عن الصواب، وكذلك ليتبين لمن يدعي أن هذا الطب لم يعد موجودا في زماننا الحاضر أنه مخطئ أيضا لأن ما أجمله الحارث لكسرى هو أصول الطب التي كانت تدرس قديما وما زالت حتى يومنا هذا، ولا ينكرها إلا جاهل متحامل لا يراعي الشرع، بمحاربته لفرض من فروض الكفاية.
نصيحتي لكل من درس الطب المعاصر أن يدرس طب الأخلاط فهو من تراثنا العلمي الفاخر، وأن لا يتبع الغربيين اتباعا أعمى، بل يمشي على بصيرة فما خالف الأصول التي نزلت بالوحي نبذها وأنكرها عليهم، وما وافق أخذ به، وحتى يميز تماما الصواب من الغلط لا بد أن يتعلم طب الأخلاط، ومثال ذلك في طب الأخلاط الحجامة لها منافع كثيرة ذكرها الأطباء في كتبهم وحث رسول الله عليها، أما في الطب المعاصر هي هدر للدم لا طائل منه. وأنا يعجبني الجمع بين القديم والحديث، بإعادة الحقائق الطبية الحديثة إلى الأصول القديمة، وترك النظريات التي تخالف الشرع وطب الأخلاط، حتى يستقيم الطب وينتفع الناس.
([1]) الحارث بن كَلَدَةَ الثقفي ، طبيب عربي مشهود له ببراعته في الطب، يعرف بـ «طبيب العرب» في وقته، عاش في العصر الجاهلي وأدرك الإسلام، وكان طبيبا ماهرا عارفا بالداء والدواء، حكيما فصيحا ناصحا، ترجم له أصحاب كتب الطب، أصله من ثقيف من أهل الطائف من بلاد الحجاز، سافر إلى أرض فارس، وأخذ الطب عن أهل تلك الديار من أهل جند يسابور وغيرها في الجاهلية وقبل الإسلام، وذكر ابن جلجل: إن الحارث تعلم الطب بناحية اليمن وفارس، وجاد في هذه الصناعة وطب بأرض فارس، وعالج وحصل له بذلك مال هناك، وشهد أهل بلاد فارس ممن رآه بعلمه، وكان قد عالج بعض أجلائهم فبرء ، ثم إن نفسه اشتاقت لبني بلاده فرجع إلى الطائف واشتهر طبه بين العرب. قال الشيخ عبد الله الهرري: الحَارِثُ بنُ كَلَدَةَ (الثَّقَفِيُّ) هَذَا طَبِيبُ العَرَبِ، كَانَ فِي زَمَانِ الرَّسُولِ.
([2]) هو مُوَفَّقُ الدِّينِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ سَدِيدِ الدِّينِ القَاسِمِ بْنِ خَلِيفَةَ بْنِ يُونُسَ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصَارِيُّ المعروف بابْنِ أَبِي أُصَيْبِعَةَ طبيب ومؤرخ مسلم ولد في دمشق سنة 600 وتوفي 680 ه من أشهر كتبه الكتاب الذي ألفه في تاريخ الطب عيون الأنباء في طبقات الأطباء.
([3]) هو أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص مالك الزهري القرشي أحد العشرة المبشرين بالجنة.
([4]) الطبقات الكبرى لابن سعد 147/3 عن سعد بن أبي وقاص قال: مرضت فأتاني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعودني فوضع يده بين ثديي فوجدت بردها على فؤادي ثم قال: إنك رجل مفؤود فأت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطبب، فمره فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن.
([5]) كتاب تاج العروس الفريقة: حساء يعمل للعليل المدنف.
([6]) كسرى أنو شروان أحد ملوك الفرس.
([7])كتاب التعريفات للجرجاني: الطبع ما يقع على الإنسان بغير إرادة وقيل الطبع بالسكون الجبلة التي خلق الإنسان عليها.
([8]) ذكر الحافظ ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس أن الله عز وجل خلق بني آدم على الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة، وجعل صحته موقوفة على تعادل الأخلاط الدم والبلغم والمرة الصفراء والمرة السوداء.
([9]) الحريف: بالكسر والتشديد ، ما فيه لذع وحدة في الطعم تحرق اللسان، يقال : بصل حريف ، أي يلذع اللسان.
([10]) المُزِّ هو الذي بين الحُلْو والحامِض.
([11]) المر الذي يغلب عليه الجوهر اليابس الأرضي حار إذا كان طعمه بعد الحلاوة إلى مرارة وبارد إذا كان طعمه بعد المرارة إلى حلاوة.
([12]) أي رطب.
([13]) أي بالحجامة أو الفصد.
([14]) أي علاج سوء المزاج بالضد الدموي بالأغذية والأدوية الباردة اليابسة السوداوية والبلغمي بالأغذية والأدوية الحارة اليابسة الصفراوية والصفراوي بالأغذية والأدوية الباردة الرطبة البلغمية والسوداوي بالاغذية والأدوية الحارة الرطبة الدموية .
([15]) في مصطلح الأطباء الحقنة بالضم : كل دواء يحقن به المريض المحتبس عنده ما ينبغي إخراجه